الحوار الحي بين العهد القديم والعهد الجديد
أهلاً بكم في هذه الرحلة الفريدة عبر الكتاب المقدس، حيث يتفاعل العهدان القديم والجديد في حوار. بدلاً من قراءة كل جزء على حدة، تدعوكم هذه الخطة لاكتشاف كيفية تفاعل هذين القسمين الرئيسيين من الكتاب المقدس وإضاءتهما لبعضهما البعض، متفاعلين باستمرار في حوار حيوي. كشاهدين متكاملين، يقدمان سرداً متماسكاً وعميقاً، حيث تُمنح الوعود القديمة حياة جديدة في يسوع المسيح، وحيث تجد أحداث العهد الجديد جذورها في حكمة العهد القديم وشرائعه ونبوءاته ومزاميره.
هذه القراءة المتقاطعة ليست مجرد تمرين فكري، بل هي تجربة روحية: ستُدعى للتأمل والصلاة، ولتُخاطب الكلمة قلبك. بهذه الطريقة، يُصبح الكتاب المقدس سيمفونية تُثري فيها كل نغمة ما يليها، حيث يكون كل نص جزءًا من لغز الحب الإلهي العظيم. سواء كنت تكتشف الكتاب المقدس لأول مرة أو كنت قارئًا مُخلصًا، فإن هذه الخطة مُصممة لتغذية إيمانك، وتعميق فهمك، وإرشادك إلى غنى كلمة الله الذي لا ينضب.
العهد القديم يُهيئ ويُعلن. أما العهد الجديد فيُحقق المعنى الكامل ويكشفه. فوجود أحدهما دون الآخر لا يكتمل. هذه الخطة تُتيح للكتاب المقدس أن يُسمع كجوقة، حيث يُنشد صوتان، مُتميزان ومتناغمان، نفس الذاكرة والرجاء والحقيقة: ذكرى الله الواحد ومحبته الفادية.

الأسس والوعود وسر النور (الأيام 1-7)
القراءة المتقاطعة المقترحة:
- العهد القديم: سفر التكوين 1-3، 12، 15 (الخلق، الوعد لإبراهيم)
- العهد الجديد (NT): يوحنا 1 (مقدمة), رسالة رومية 5 (آدم الجديد)
توضيح :
ابدأ بـ سفر التكوينيتعلق الأمر بالانغماس في أصل العالم والبشرية. النور المُخلوق في سفر التكوين يُحاكي مباشرةً النور المُتجسد في يسوع. يوحنا 1. إن الوعد الذي قُطع لإبراهيم (ذريةٌ كثيرة وبركةٌ لجميع الأمم) يجد تحقيقه في العهد الجديد من خلال يسوع، هذا السليل الفريد. يصف بولس، في رسالته إلى أهل رومية، يسوع بأنه "آدم الجديد" الذي يُصلح السقوط. يُنشئ هذا الحوار أساسًا لاهوتيًا وسرديًا متينًا.
الشريعة والقداسة والدعوة إلى ملكوت جديد (الأيام 8-20)
القراءة المتقاطعة المقترحة:
- AT: خروج 19-24 (هدية الشريعة)، سفر اللاويين (قواعد القداسة)
- العهد الجديد: متى 5-7 (عظة الجبل)
توضيح :
تُرسي الشريعة الموسوية علاقة عهد مع الله، مُحددةً قداسة الشعب المختار. في عظة الجبل، استشهد يسوع بعدة وصايا، لا لإبطالها، بل لكشف عمقها الروحي والأخلاقي. وهكذا، تُظهر الخطة كيف تتحقق الشريعة القديمة في تعاليم يسوع وحياته. إنها دعوة لعيش برٍّ داخلي أصيل.

المملكة والملكوت الإلهي (الأيام ٢١-٣٥)
القراءة المتقاطعة المقترحة:
- في: 1 و 2 صموئيل (عهد داود)، 1 ملوك 3 (حكمة سليمان)
- العهد الجديد: رسائل بولس (رومية، كولوسي)، إنجيل لوقا 1-2 (ميلاد يسوع الملك المعلن)
توضيح :
داود هو الملك الذي اختاره الله، والذي تُنبئ ملكيته بملك المسيح. تُلقي حكمة سليمان الضوء على البعد الروحي للسلطة الشرعية. يؤكد بولس، في رسائله، السيادة الشاملة للمسيح، الملك الروحي. يُقدم لوقا يسوع كابن داود والملك، علامةً على الاستمرارية، وأيضًا على التحول الملكي نحو ملكوت سماوي.

المزامير والأناجيل: الأغاني والإتمامات (الأيام 36-50)
القراءة المتقاطعة المقترحة:
- في: المزمور 22, 23، 110 (المعاناة، الراعي، الملكية)
- العهد الجديد: متى 27 (الآلام)، يوحنا 10 (يسوع الراعي الصالح)،, الفصل الثاني (عيد العنصرة – اقتباس من المزمور 110)
توضيح :
تُعبّر المزامير عن صلوات عاطفية ومسيحانية. يُستشهد بالمزمور ٢٢، وهو ترنيمة حزن، خلال آلام السيد المسيح، مُجسّدًا تحقيقًا نبويًا. أما المزمور ٢٣، "الرب راعيّ"، فيُجسّد بكلمات يسوع نفسه، الذي يُقدّم نفسه على هذا النحو. ويُستشهد بالمزمور ١١٠، "الملك والكاهن"، في سفر أعمال الرسل كأساس لمسيحانية المسيح. هذا الحوار يدعو إلى التأمل، مُشبعًا بالعاطفة والإيمان.

النبوءات والأحكام وعلم الآخرة (الأيام 51-70)
القراءة المتقاطعة المقترحة:
- في: إشعياء 53 (العبد المتألم)، إرميا 31 (العهد الجديد)، دانيال 7 (المملكة الأبدية)
- العهد الجديد: عبرانيين 8 (العهد الجديد تم تحقيقه)، رؤيا يوحنا (رؤية الملكوت المجيد)
توضيح :
تنبأ إشعياء بعبدٍ متألم، شخصية تُجسّد يسوع. وعد إرميا بعهدٍ جديد، يتحقق بالكامل في الكنيسة. فتح دانيال الرؤية على ملكوت الله الأبدي. استجاب العهد الجديد بتعاليم العبرانيين عن وساطة المسيح، وسيكشف سفر الرؤيا عن النصر النهائي. تُقدّم هذه الرحلة رؤيةً أخروية، أي رؤيةً موجهةً نحو تحقيقها النهائي.

الحكمة والأخلاق والحياة المسيحية العملية (الأيام 71-90)
القراءة المتقاطعة المقترحة:
- AT: الأمثال،, سفر الجامعة, سفر سيراخ (الحكمة)
- NT: رسائل يعقوب وبطرس وبولس (رسالة رومية ١٢, غلاطية 5)
توضيح :
تُعلّم كتب الحكمة كيف نعيش وفقًا للحكمة الإلهية. وتتناول رسائل العهد الجديد هذا الموضوع، مُشدّدةً على الإيمان الذي يعمل من خلال حب والحرية في المسيح. هذا الحوار يُغذي الحياة الأخلاقية والروحية للمؤمنين يوميًا.

كيف أتبع هذه الخطة؟
- اقرأ نص AT كل يوم، ثم اقرأ نص NT المقابل له.
- خذ دقيقة من وقتك للصلاة قبل/بعد القراءة.
- لاحظ الروابط بين النصوص والانطباعات والأسئلة.
- الانفتاح على القراءة الروحية: التصوف (النمطية، المجاز).
- أعد قراءتها إذا لزم الأمر، وتأمل بعمق في المقاطع الأكثر صعوبة.
- ناقش في مجموعة لمشاركة الاكتشافات.

باتباع خطة القراءة المتقاطعة هذه، أنت مدعوٌّ للتأمل في الكتاب المقدس ليس كمجرد مجموعة من النصوص القديمة، بل كحوار حيّ بين عهدين، وحيين مترابطين يُشكّلان كلاًّ واحداً. لقد اتبعتَ خطى بني إسرائيل، وأصغيتَ إلى صوت الأنبياء، وتأملتَ في المزامير، واكتشفتَ كيف تُعلن هذه الكنوز، وتشرح، وتُنير يسوع المسيح وخدمته في العهد الجديد.
يساعدك هذا المسار القرائي على إدراك عظمة عمل الله، ووحدته وتماسكه، بل وجمال السرّ الذي ينكشف أمامك: إلهٌ وفيٌّ بوعوده، قريبٌ دائمًا من أبنائه. عسى أن ترافقك هذه الرحلة في نموّك الروحي، وأن تُلهمك على التمسك بالكلمة، وأن تُلهمك الرغبة في العودة باستمرار إلى هذا النبع الحي.
يصبح الكتاب المقدس، إذا قرأ بهذه الطريقة، بمثابة محادثة حميمة بين الله وبينك، ورقصة بين الماضي والمستقبل، ودعوة إلى الثقة والأمل، حب.
استمتع بقراءتك وتأملاتك، وأتمنى أن تساهم هذه التجربة في إثراء إيمانك بشكل عميق.


