تخيّل المشهد: أنت على متن طائرة تُحلّق فوق البحر الأبيض المتوسط، ويُعلن رئيس الكنيسة الكاثوليكية عن رغبته في زيارة بلدك لأول مرة في التاريخ. هذا ما حدث بالضبط في 2 ديسمبر/كانون الأول 2025، عندما ليو الرابع عشر أعلن عن نيته السفر إلى الجزائر. إلا أن الاستقبال الميداني كان، على أقل تقدير، متباينًا.
يثير هذا الإعلان تساؤلاتٍ مُلِحّة: لماذا لا تُثير هذه الزيارة التاريخية الحماسةَ المُنتظرة؟ ما وراء هذا التحفظ الظاهري؟ والأهم من ذلك، ماذا يكشف هذا الوضع عن الجزائر اليوم؟
إعلان غير متوقع جاء من العدم.
اللحظة المختارة وسياقها
كان على متن الطائرة التي كانت ستعيده من رحلته إلى لبنان الذي - التي ليو الرابع عشر ألقى القنبلة. لم يصدر بيانًا رسميًا مُتبجحًا، ولا تحضيرًا إعلاميًا مُعقدًا، بل كان مجرد إعلان عفوي وعفوي. هذا النهج، المُعتاد في الأسلوب البابوي الحديث، فاجأ الدبلوماسيين على جانبي البحر الأبيض المتوسط على حين غرة.
التوقيت مثير للاهتمام. بعد زيارة تركيا و ال لبنان, في بلدين مسلمين بهما مكون مسيحي قوي، تشكل الجزائر جزءًا من منطق الحوار بين الأديان أن الفاتيكان مستمرة منذ عقود. ولكن على عكس جيرانها، تتميز الجزائر بتركيبة سكانية فريدة: يبلغ عدد سكانها المسلمين أكثر من 99%، ومجتمع مسيحي صغير لا يتجاوز بضع عشرات الآلاف من الناس.
الحجة التاريخية: القديس أوغسطينوس
ال البابا برر رغبته في زيارة الجزائر بالإشارة إلى القديس أوغسطين, ، أحد أعظم المفكرين في المسيحية, ولد في تاغست (سوق أهراس حاليًا) عام 354. وهذه حجة ذكية - فمن الصعب الجدال حول الأهمية التاريخية لهذه الشخصية الفكرية التي شكلت اللاهوت المسيحي.
ولكن هنا المفارقة: القديس أوغسطين عاشوا قبل أكثر من ١٦٠٠ عام، في زمنٍ كانت فيه شمال إفريقيا مسيحية. ومنذ ذلك الحين، ترسخت جذور الإسلام، وحدث الاستعمار الفرنسي، ونالوا الاستقلال بسفك الدماء، وبُنيت الجزائر الحديثة. القديس أوغسطين اليوم، أصبح الأمر أشبه بالحديث عن سلف بعيد لشخص بنى منزله بنفسه.
رد فعل الكاردينال فيسكو: تفاؤل منعزل
لا يُخفي جان بول فيسكو، رئيس أساقفة الجزائر، فرحته. ويُعلن: "هذه فرصة رائعة للجزائر والعالم". حماسه مفهوم: فعندما تقود جماعة مسيحية صغيرة في بلد مسلم، فإن زيارة البابا, إنه يشبه إلى حد ما تلقي زيارة من قريب مشهور يذكر الجميع بأنك موجود.
لكن يبدو أن حماسه يتردد صداه في الفراغ. فعلى عكس الزيارات البابوية إلى بلدان أخرى، حيث تتجمع الحشود قبل أشهر، وتحسب وسائل الإعلام المحلية الأيام، وتتنافس المدن على استضافة القداس البابوي، تبقى الجزائر هادئة بشكل مفاجئ.
أسباب اللامبالاة التي تتحدث عن مجلدات
ثقل التاريخ الاستعماري
لفهم هذا الاستقبال الفاتر، علينا العودة بالزمن إلى الوراء. فالجزائر لها علاقة معقدة مع المسيحية, لا ينفصل عن ماضيه الاستعماري. خلال 132 عامًا من الوجود الفرنسي، لم تكن الكنيسة الكاثوليكية مجرد مؤسسة دينية، بل كانت جزءًا لا يتجزأ من النظام الاستعماري.
حتى اليوم، يربط كثير من الجزائريين الكنيسة بهذه الفترة تلقائيًا. ليس هذا سوء نية، بل هو انعكاس للذاكرة. عندما تكبر مع قصص عائلية عن الحرب وفيما يتعلق بالاستقلال والتمييز والأراضي المصادرة، فمن الصعب فصل المؤسسة الدينية عن دورها التاريخي.
لنأخذ مثالاً ملموساً: تخيّل أنك أُبلغت بزيارة شخصية مرموقة تُمثّل مؤسسةً تُثير في ذهنك الجماعي ذكرياتٍ مؤلمة. حتى لو كنتَ عقلانياً، وحتى لو كنتَ تعلم أن العالم قد تغيّر، فإن هذا الارتباط الذهني يبقى قائماً. هذا بالضبط ما يحدث في الجزائر.
مجتمع يركز على أولويات أخرى
تواجه الجزائر في عام ٢٠٢٥ تحديات ملموسة: اقتصاد ضعيف بسبب اعتماده على المحروقات، وبطالة بين الشباب تقترب من ٣٠١٪، ونظام رعاية صحية يعاني من ضغوط، وتضخم يُضعف القدرة الشرائية. في هذا السياق، قد تبدو الزيارة البابوية... في غير محلها.
الجزائريون ليسوا معادين لـ البابا على الصعيد الشخصي، هم منشغلون بأمور أكثر إلحاحًا: إيجاد عمل، دفع الفواتير، تأمين مستقبل أبنائهم، الحصول على تأشيرة دخول إلى أوروبا. زيارة زعيم ديني أجنبي، مهما بلغت أهميته لدى الكاثوليك، ليست من أولوياتهم.
كأن أحدهم يخبرك أن خبيرًا في البستنة اليابانية سيأتي عندما يحتاج منزلك إلى تجديد. قد تُقدّر البستنة اليابانية، لكنها بالتأكيد ليست من أولوياتك المُلحة.
السؤال الحساس حول التحول
في الجزائر، يُعدّ تغيير الديانة موضوعًا بالغ الحساسية. يُعاقب قانون العقوبات التبشير، والمجتمع ككلّ يُعاديه. في هذا السياق، تُثير زيارة رئيس الكنيسة الكاثوليكية بطبيعة الحال مخاوف.
يتساءل كثير من الجزائريين: "ما الهدف الحقيقي من هذه الزيارة؟" حتى وإن كانت رسمية الحوار بين الأديان وإحياء ذكرى القديس أوغسطين, يرى البعض أن هذا بمثابة محاولة مقنعة لـ’التبشير. ربما يكون هذا مبالغة، ولكن الشكوك موجودة.
هذا انعدام الثقة ليس غير منطقي، بل هو جزء من سياق إقليمي شهدت فيه عدة دول إسلامية توترات مرتبطة بالتحولات الدينية. الجزائر، التي بنت هويتها ما بعد الاستعمار على ثلاثية "« الإسلام, "إن أي تشكيك في هذا التوازن قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار".
التباين مع الزيارات البابوية الأخرى
دعونا ننظر إلى كيفية إجراء الزيارات البابوية عادة. بولندا, ، في أيرلندا, في الفلبين، وفي البرازيل - الحشود هائلة، والحماس واضح، والتغطية الإعلامية حاضرة في كل مكان. قبل أشهر من وصول البابا, وتحشد الاستعدادات آلاف المتطوعين، وتقوم السلطات بإعداد البنية التحتية، وتقدم وسائل الإعلام تقارير خاصة.
في الجزائر، لم يحدث أيٌّ من هذا. تناولت الصحف المحلية الإعلان، بالتأكيد، ولكن دون التغطية الإعلامية الضخمة التي كان من المتوقع أن تتصدر صفحاتها الأولى. لم تثر مواقع التواصل الاجتماعي الجزائرية أي تعليقات. التزمت السلطات الصمت. بدا الأمر كما لو أن الحدث قوبل بتجاهل مهذب.
يكشف هذا التباين عن حقيقة بسيطة: لا معنى للزيارة البابوية وتأثيرها إلا إذا كانت متوافقة مع هموم السكان المحليين وهويتهم. أما في الجزائر، فمن الواضح أن هذا ليس هو الحال.
الأهداف الخفية وراء هذه الزيارة
رسالة الفاتيكان إلى العالم الإسلامي
دعونا لا نخطئ: إذا ليو الرابع عشر إذا أراد أحدٌ القدوم إلى الجزائر، فليس ذلك بالأساس لآلاف الكاثوليك الذين يعيشون هناك، بل هي رسالةٌ للعالم الإسلامي أجمع. الفاتيكان إن الاتحاد الأوروبي ينتهج منذ عقود استراتيجية الحوار مع الإسلام، والجزائر تمثل اختبارا مهما في هذا الصدد.
من خلال اختيار بلد يبلغ عدد سكانه المسلمين 99% ولا يوجد به مجتمع مسيحي كبير، البابا يرسل إشارة: الحوار بين الأديان لا يقتصر الأمر على البلدان التي يتعايش فيها المسيحيون والمسلمون بنسب متساوية تقريبًا. بل يمكن (بل يجب) أن توجد حتى حيث المسيحيون هم أقلية صغيرة جدًا.
إنه نهج طموح، يكاد يكون مثاليًا. لكنه يصطدم بواقع عملي: الحوار يتطلب شخصين. وإذا لم يكن أحد المشاركين مهتمًا حقًا بالحوار، يبقى الحوار من طرف واحد.
الأقلية المسيحية وبقائها
بالنسبة لعشرات الآلاف من المسيحيين في الجزائر - معظمهم من المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى وبعض أحفاد "الأقدام السوداء" - قد تكون هذه الزيارة فرصةً مُرحبًا بها لتسليط الضوء على وجودهم. ففي بلدٍ يُتساهل فيه وجودهم لكن بتكتم، فإن وصول... البابا وسوف يمثل ذلك اعترافًا رمزيًا مهمًا.
يدرك الكاردينال فيسكو هذا جيدًا. كنيسته تعيش حالة من الصمود: كنائس متداعية، وتراجع في أعداد المؤمنين، وموارد محدودة. قد تُنعش زيارة بابوية هذا المجتمع، وتُسلط الضوء عليه، وربما تُحسّن مكانته القانونية والاجتماعية.
لكنها مخاطرة محفوفة بالمخاطر. إذا سارت الزيارة على نحو سيء، أو أثارت ردود فعل عدائية، أو استغلتها جماعات متطرفة، فقد تُضعف هذه الجالية الصغيرة أكثر. الأمر أشبه بالسير على حبل مشدود: خطوة واحدة خاطئة، والسقوط.
العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والفاتيكان
وإلى جانب الجوانب الدينية، هناك بعد دبلوماسي مهم. الفاتيكان إنها دولة، وإن كانت صغيرة، إلا أنها مؤثرة على الساحة الدولية. ومن شأن زيارة بابوية مُعتادة أن تُعزز العلاقات الثنائية، وربما تفتح آفاقًا جديدة في قضايا أخرى.
الجزائر، التي تسعى إلى تنويع شراكاتها الدولية إلى ما هو أبعد من حلفائها التقليديين، قد تجد في هذا الأمر مفيدا. الفاتيكان, ورغم صغر حجمها، فإنها تحافظ على علاقات دبلوماسية مع غالبية بلدان العالم، وتتمتع بنفوذ أخلاقي كبير.
مع ذلك، تبدو السلطات الجزائرية حذرة. لم تؤكد الزيارة رسميًا بعد. يُرجّح أنها تُقيّم المخاطر والفوائد، وتُقيّم ردود الفعل الشعبية المحتملة، وتُجري مشاورات مع مستشاريها. إنه قرار سياسي دقيق.
رمزية القديس أوغسطينوس
دعونا نعود إلى القديس أوغسطين, الذريعة التي قُدِّمت لهذه الزيارة. إرثه مُعقَّد، ويمكن تفسيره بطرق مُتعدِّدة. الفاتيكان, فهو يمثل عالمية المسيحية وجذوره الأفريقية. بالنسبة للقوميين الجزائريين، فهو بربري، أحد أجداد الأمازيغ المعاصرين، وقد اعتمدته الكنيسة.
هذه المعركة الرمزية المحيطة القديس أوغسطين هذه ليست فكرة جديدة. فمنذ مطلع الألفية الثانية، شكك المثقفون الجزائريون في "بربرية" أوغسطين، محاولين فصله عن هويته المسيحية الخالصة ليجعلوه شخصية من التراث الأمازيغي.
ال البابا من يأتي لإحياء ذكرى القديس أوغسطين في الجزائر، يتعلق الأمر أيضًا بالاستيلاء الثقافي والتاريخي. لمن تعود هذه الشخصية التاريخية حقًا؟ إلى الكنيسة الكاثوليكية التي جعلته قديسًا ومعلمًا في الكنيسة؟ أم إلى الجزائر التي يحق لها أن تدّعي ملكيتها لأرضها؟
سوابق في المنطقة
لفهم المشكلة بشكل أفضل، دعونا نلقي نظرة على ما حدث في أماكن أخرى. في عام ٢٠١٩، البابا زار البابا فرنسيس المغرب، وهو بلد إسلامي مجاور. وكان الاستقبال حارًا ومدروسًا. واستقبل الملك محمد السادس، أمير المؤمنين، البابا, لقد جرت الاحتفالات دون وقوع حوادث، ولكن دون حماس مبالغ فيه أيضًا.
ما الفرق؟ المغرب له تاريخ طويل من التسامح الديني، وسياسة انفتاح مدروسة، والملك يلعب بورقة التسامح الديني بنشاط. الحوار بين الأديان. أما الجزائر، فإنها تتبنى موقفا أكثر تحفظا بشأن هذه القضايا، وعلاقة أكثر تعقيدا بماضيها الاستعماري، ومجتمعها أقل اعتيادا على هذا النوع من الأحداث.
إذا تمت الزيارة، فمن المرجح أن تتبع السلطات الجزائرية النموذج المغربي: استقبال لائق دون مبالغة، وتشديد الإجراءات الأمنية، وتنظيم الفعاليات، وتغطية إعلامية معتدلة. لا مجال للسماح للحدث بالخروج عن السيطرة.
ماذا يكشف هذا اللامبالاة
وفي نهاية المطاف، فإن عدم اكتراث الجزائر بهذا الإعلان يكشف عن عدة اتجاهات:
هوية ما بعد الاستعمار الصلبة لقد طوت الجزائر صفحة تاريخها الاستعماري في خياراتها السياسية والهوياتية. المسيحية ويُنظر إليها باعتبارها قوسًا تاريخيًا مغلقًا، وليس باعتبارها جزءًا من الهوية الحديثة للبلاد.
الأولوية للقضايا الاقتصادية في بلدٍ تتراجع فيه القدرة الشرائية وترتفع فيه البطالة، تتراجع القضايا الدينية. الجزائريون يريدون وظائف وفرصًا، لا نقاشاتٍ دينية.
عدم الثقة في الأجندات الخفية بعد عقود من التوترات الجيوسياسية، ومحاولات التدخل الأجنبي، سواءً كانت حقيقية أو مُفترضة، والتلاعب الإعلامي، نشأ في المجتمع الجزائري شعورٌ بعدم الثقة. ويظل السؤال مطروحًا: "ماذا يريدون حقًا؟".
الاستقرار الديني كقيمة بالنسبة للعديد من الجزائريين، عانت بلادهم بما فيه الكفاية من صراعات التسعينيات. أي شيء من شأنه أن يُجدد التوترات الدينية يُنظر إليه بعين الريبة، حتى لو كانت زيارة بابوية سلمية.
السيناريوهات المحتملة
وإذا تمت هذه الزيارة في نهاية المطاف ــ حيث لم يتم تأكيد أي شيء رسميا من قبل الجزائر ــ فإن هناك عدة سيناريوهات محتملة:
السيناريو المتفائل زيارة قصيرة ومنظمة بشكل جيد، واجتماع مع السلطات، وقداس للمجتمع الكاثوليكي الصغير، وخطاب عن الحوار بين الأديان, كان الرحيل هادئًا. تحدثت عنه وسائل الإعلام الدولية لبضعة أيام، ثم طواه النسيان.
السيناريو الإشكالي احتجاجات الجماعات المحافظة، والجدل على وسائل التواصل الاجتماعي، والاستغلال السياسي من قبل المعارضة، والتوترات مع المجتمع المسيحي بعد رحيل البابا. يترك الحدث طعمًا مريرًا.
السيناريو الأوسط (على الأرجح): لامبالاة عامة من السكان، وتغطية إعلامية محدودة، وحدث دبلوماسي لا تأثير حقيقي له على الحياة اليومية للجزائريين. بعد ستة أشهر، لن يتذكره أحد.
دروس لفهم الجزائر الحديثة
هذا الإعلان البابوي وردود الفعل التي أثارها يخبرنا الكثير عن الجزائر في عام 2025:
هذا بلدٌ تصالح مع ماضيه الاستعماري لدرجة أنه لم يعد يتفاعل عاطفيًا مع ما يرمز إليه. الكنيسة الكاثوليكية لا تثير الكراهية ولا العاطفة، بل اللامبالاة فقط، والتي ربما تكون علامة على النضج الجماعي.
إنها أيضًا دولة براغماتية، تُركز على تحدياتها الملموسة. فالتصريحات الرمزية الكبرى، واللفتات الدبلوماسية، والفعاليات الإعلامية، أقل أهمية من خلق فرص العمل، وتحسين الخدمات العامة، ومكافحة الفساد.
وأخيرًا، إنها دولة تُؤكد هويتها الإسلامية والأمازيغية، دون عداءٍ عدواني تجاه الآخرين. التسامح موجود، ولكنه تسامحٌ سلبي، يتمثل في السماح للتنوع بالتعايش بدلًا من الاحتفاء به.
و الآن ؟
الكرة الآن في ملعب السلطات الجزائرية. هل ستؤكد هذه الزيارة رسميًا؟ هل ستنظمها باحتفالية كبيرة أم بسرية؟ هل ستجعلها فرصة للحوار بين الثقافات أم مجرد بروتوكول دبلوماسي يُستكمل؟
بالنسبة للكاردينال فيسكو ومجتمعه الصغير، لا يزال الانتظار قائمًا. يأملون أن ترحب بلادهم بهذه الزيارة، حتى دون حماس، وحتى مع تحفظات. بالنسبة لهم، الأمر الأساسي هو أن... البابا فليأتِ، فلينظر، فليشهد على وجود الوجود المسيحي في أرض الإسلام.
من اجل الفاتيكان, هذا اختبارٌ لاستراتيجيتها في الحوار مع العالم الإسلامي. إذا استضافت الجزائر، وهي دولةٌ صعبة، البابا حتى لو كان الفوز فاترًا، فسيكون فوزًا دبلوماسيًا. أما إذا رفضت أو سارت الزيارة على نحو سيء، فسيكون ذلك انتكاسة كبيرة.
وماذا عن الجزائريين العاديين؟ من المرجح أن يواصلوا حياتهم، منشغلين بفواتيرهم وخططهم وعائلاتهم. زيارة البابا وسيكون هذا مجرد حدث آخر، مجرد قوس في الحياة اليومية، أو فضول إعلامي سيمر بنفس السرعة التي جاء بها.
في نهاية المطاف، هذه اللامبالاة ليست علامة رفض ولا قبول. إنها ببساطة انعكاس لمجتمع لديه معارك أخرى ليخوضها، وأحلام أخرى يسعى إليها، وأولويات أخرى ليديرها. وفي أعماقه، ربما يكون هذا هو الدرس الحقيقي من هذه القصة: زيارة... البابا لا يغير من الحقائق اليومية لبلد يبحث عن طريقه في القرن الحادي والعشرين.


