تخيّل بلدًا على شفا الانهيار، حيث انقطاعات الكهرباء تُعيق الحياة اليومية، وحيث فقدت العملة 98% من قيمتها، وحيث تفتقر المستشفيات إلى الأدوية. بلدٌ رائع، تُعاني آثار الأزمات، ينتظر بصيص أمل. في هذا السياق، ليو الرابع عشر استقر في بيروت 30 نوفمبر 2025، لزيارة تستغرق 48 ساعة ويمكن أن تشكل نقطة تحول.
بمجرد أن نزل من الطائرة، البابا وجّه رسالةً واضحةً إلى السلطات السياسية اللبنانية: حان وقت خدمة الشعب، لا مصالحكم الشخصية. خطابٌ مباشرٌ، صريحٌ بشكلٍ صادم، يتناقضُ بشكلٍ حادٍّ مع الدبلوماسيةِ المُعتادةِ لحزب الله. الفاتيكان.
بلد يبحث عن اتجاهاته
الوضع المتفجر في لبنان
لفهم أهمية هذه الزيارة، يجب علينا أولاً أن نفهم أين لبنان اليوم تمر البلاد بأسوأ أزمة منذ الحرب الفترة المدنية من عام 1975 إلى عام 1990. أدى الانهيار الاقتصادي إلى انخفاض عدد السكان إلى ما دون عتبة الفقر بمقدار 801,300 نسمة. فقر. تفرض البنوك قيودًا صارمة على عمليات السحب. وتمتد الطوابير أمام محطات الوقود لأميال.
لكن الأمر لا يقتصر على المال فحسب، بل هو أزمة ثقة شاملة بالطبقة السياسية. لم يعد اللبنانيون يثقون بقادتهم، الذين يتهمونهم بالفساد المستشري وعدم الكفاءة. لقد تحول النظام الطائفي، الذي كان من المفترض أن يضمن التوازن بين مختلف الطوائف الدينية، إلى آلة لتوزيع المناصب على أساس الانتماء الديني لا الكفاءة.
لماذا لبنان مهم للكنيسة؟
ال لبنان ليست دولة مثل أي دولة أخرى الفاتيكان. إنها الدولة العربية الوحيدة التي يمكن فيها للمسيحي أن يصبح رئيسًا للدولة. تواجدت فيها الطوائف المسيحية منذ القرون الأولى للميلاد. المسيحية. ويحافظ الموارنة، على وجه الخصوص، على علاقات تاريخية قوية للغاية مع روما.
لكن هذه المجتمعات المسيحية في خطر. فمنذ سبعينيات القرن الماضي، انخفضت نسبتهم في السكان بشكل مطرد، من حوالي 501 إلى أقل من 301 اليوم. وتؤدي الهجرة الجماعية للشباب المسيحي، الذين يغادرون بحثًا عن حياة أفضل في أوروبا، إلى كندا أو في أستراليا، حيث يتم إفراغ البلاد تدريجيا من التنوع الديني.
بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية، لبنان إنه يُمثل رمزًا للتعايش السلمي بين المسيحيين والمسلمين في العالم العربي. إذا انهار هذا النموذج، فسوف تنهار رؤية كاملة للعالم. الحوار بين الأديان الذي يتذبذب.
وصول البابا رفيع المستوى
وصول ليو الرابع عشر لم يمر مرور الكرام. أولًا، كان هناك حادث فني بسيط: اضطرت طائرة الخطوط الجوية الإيطالية (ITA) إلى الإصلاح في اليوم السابق للإقلاع. خلال المؤتمر الصحفي القصير على متن الطائرة، البابا ألقى قنبلة إعلامية بإعلانه عن نيته زيارة القدس في عام 2033. هذا التاريخ ليس تافهًا - فهو يصادف الذكرى السنوية الـ 2000 للصلب و القيامة عن المسيح.
لكن خطابه في القصر الرئاسي كان هو ما أحدث أكبر ضجة. فعلى عكس ما هو متوقع عادةً من زائر دبلوماسي،, ليو الرابع عشر لم يدور حول الموضوع.
خطاب يحرك الضمائر
الرسالة الأساسية: الخدمة، وليس مساعدة نفسك
«وأكد "يجب أن تكرسوا أنفسكم لخدمة الشعب والصالح العام". البابا أمام السلطات اللبنانية المُجتمعة. هذه الصيغة البسيطة ظاهريًا هي في الواقع لائحة اتهام كاملة ضد الطبقة السياسية المحلية.
متى ليو الرابع عشر يتحدث عن "الخدمة"، لا مجازًا. ويستهدف مباشرةً الممارسات الزبائنية المتفشية في النظام السياسي اللبناني. ففي هذا البلد، غالبًا ما يتطلب الحصول على وظيفة حكومية، أو توصيلة كهرباء عاجلة، أو حتى رخصة بناء بسيطة، "واسطة" - أي نفوذًا سياسيًا.
هذه ثقافة المحسوبية، البابا يندد به بشدة. بالنسبة له، ليس القائد موجودًا لتوزيع النعم على أقاربه أو طائفته، بل هو موجود لخدمة جميع المواطنين دون تمييز.
دعوة للمسؤولية الجماعية
خطاب ليو الرابع عشر إنه لا يكتفي بتوجيه أصابع الاتهام، بل يدعو إلى صحوة جماعية. ويقول إن القادة اللبنانيين يتحملون مسؤولية تاريخية، فهم يمسكون بأيديهم مستقبل بلد كان يُعتبر في السابق سويسرا الشرق الأوسط.
هذه الإشارة إلى الماضي المجيد ليست حنينًا، بل تهدف إلى تذكيرنا بأن لبنان تمتلك البلاد الموارد البشرية والثقافية والاقتصادية اللازمة للنهوض. ما ينقصها هو الإرادة السياسية لتغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة.
ال البابا وشدد البابا بشكل خاص على أهمية الشباب. فقد غادر مئات الآلاف من الشباب اللبنانيين البلاد في السنوات الأخيرة، آخذين معهم طاقاتهم ومهاراتهم وأحلامهم. وتساءل البابا: "كيف تقبلون أن يذهب أبناؤكم إلى المنفى ليعيشوا حياة كريمة؟".
ما وراء الكلمات: استراتيجية دبلوماسية
ولكن كن حذرا, ليو الرابع عشر ليس ساذجًا. خطابه جزء من استراتيجية دبلوماسية أوسع. بمخاطبته السلطات السياسية مباشرةً، يُرسل رسائل متعددة في آن واحد.
وقال للمسيحيين اللبنانيين: "أنتم لستم وحدكم. الفاتيكان "لا يتخلوا عنكم". هذا مهم لأن العديد من المسيحيين في الشرق يشعرون بالتخلي عنهم من قبل الغرب، الذي يعتقدون أنه لا يبذل جهدًا كافيًا لحماية وجودهم في المنطقة.
ويرسل إشارة الحوار إلى المجتمعات الدينية الأخرى. البابا لا يأتي فقط للدفاع عن المصالح المسيحية، بل للدفاع عن لبنان نهج تعددي حيث يجد كل فرد مكانه.
وعلى الصعيد الدولي، يهدف خطابه إلى لفت الانتباه إلى أزمة يبدو أن العالم قد نسيها. لبنان لم تعد تتصدر عناوين الأخبار كما كانت في الماضي الحرب مدنية أو الانفجار في ميناء بيروت في عام 2020. ومع ذلك، لا يزال الوضع حرجًا.
تحديات زيارة حقل الألغام
التنقل بين المجتمعات
تنظيم زيارة بابوية إلى لبنان إنها عملية موازنة دقيقة. تضم البلاد 18 طائفة دينية معترف بها رسميًا، ولكل منها حساسياتها ومطالبها ومخاوفها الخاصة. الفاتيكان كان عليّ الاستعداد لهذه الزيارة لعدة أشهر، ووزن كل كلمة، وكل لقاء، وكل لفتة.
كان الموارنة، وهم الطائفة الكاثوليكية الرئيسية في البلاد، ينتظرون هذه الزيارة بفارغ الصبر. بالنسبة لهم، كان وصول البابا إنه اعتراف بدورهم التاريخي وإظهار للدعم خلال فترة صعبة. ولكن ليو الرابع عشر وكان عليه أيضًا أن يلتقي بالطوائف المسيحية الأخرى - الأرثوذكسية اليونانية، والكاثوليكية اليونانية، والأرمنية - حتى لا يسيء إلى أحد.
وثم هناك المسلمون. لبنان وهي تشمل السنة والشيعة على حد سواء، والعلاقات بينهما متوترة في بعض الأحيان. البابا كان لزاماً عليها أن ترسل إشارات الانفتاح دون أن تبدو وكأنها تقوم بالتبشير، وهو ما كان ليُستقبل بشكل سيئ.
السياق الإقليمي المتفجر
الزيارة الى ليو الرابع عشر يأتي هذا في وقت إقليمي متوتر للغاية. لا يزال الشرق الأوسط برميل بارود يمكن أن تشتعل فيه الصراعات المتصاعدة في أي لحظة. لا تزال القضية الفلسطينية دون حل. يستمر التوتر بين إسرائيل وجيرانها. تخوض إيران والمملكة العربية السعودية حرب نفوذ.
ال لبنان يتأثر لبنان بشكل مباشر بهذه الديناميكيات الإقليمية. أصبح حزب الله، الحركة الشيعية المدعومة من إيران، لاعبًا سياسيًا رئيسيًا في البلاد. يثير وجوده وترسانته العسكرية قلق شريحة من السكان، الذين يخشون أن... لبنان الانجرار إلى صراعات ليست خاصة به.
ال البابا لذلك كان عليه أن يختار كلماته بعناية. فالتساهل المفرط مع طرف دون الآخر كان من شأنه أن يُضعف مكانته كوسيط أخلاقي. ومن هنا جاء اختياره التركيز على الرسالة الإنسانية: خدمة الناس وحماية الضعفاء., بناء السلام.
إعلان القدس: ضربة معلم
إعلانه عن نيته زيارة القدس عام ٢٠٣٣ ليس بالأمر الهيّن. باختياره هذا التاريخ الرمزي - الذكرى الألفين لآلام المسيح - البابا إنه يضع سقفًا عاليًا. إنه أفق بعيد، بالتأكيد، لكنه يُحدد هدفًا: جعل عام ٢٠٣٣ عامًا للمصالحة في الشرق الأوسط.
القدس هي محور كل الصراعات. فهي مدينة مقدسة للديانات التوحيدية الثلاث، ونقطة محورية للتوترات. بإعلانه عن نيته زيارتها،, ليو الرابع عشر يرسل رسالة أمل: سلام من الممكن، ويجب أن يستمر الحوار، ويمكن تقاسم الأماكن المقدسة باحترام متبادل.
إنها أيضًا طريقةٌ للقول لمسيحيي الشرق: "سأعود إلى هذه المنطقة. أنتم لم تُنسوا". هذا الوعد بالعودة، حتى بعد ثماني سنوات، مهمٌّ للمجتمعات التي تشعر أحيانًا بالتخلي عنها.
التوقعات الملموسة للشعب اللبناني
إلى جانب الرموز والخطابات، ينتظر اللبنانيون إجراءات ملموسة. ويأملون أن تلفت هذه الزيارة البابوية انتباه المجتمع الدولي إلى وضعهم، وأن تُسهّل وصول المساعدات. الفاتيكان يمكن أن تلعب دورًا ميسرًا، باستخدام نفوذها الدبلوماسي لتشجيع القوى الأجنبية على دعم لبنان.
تأمل المجتمعات المسيحية أيضًا في الحصول على دعم مالي لمؤسساتها - المدارس والمستشفيات والجمعيات الخيرية - التي تلعب دورًا اجتماعيًا حيويًا ولكنها تفتقر إلى الموارد. لا تقتصر خدمات هذه المؤسسات على المسيحيون ; يستقبلون المرضى والطلاب من جميع الأديان. بقاءهم ضروري للحفاظ على النسيج الاجتماعي في لبنان.
وينتظر الكثيرون أيضًا البابا وهي تستخدم ثقلها الأخلاقي لتشجيع الإصلاحات السياسية. لبنان لقد تعطلت العملية السياسية لسنوات بسبب خلافات سياسية تمنع أي تقدم. انتخاب رئيس، وتشكيل حكومة، وإقرار الميزانيات: كل شيء يخضع لمساومات لا تنتهي.
البعد المسكوني والحوار بين الأديان
زيارة بابوية إلى لبنان لا يمكن تجاهل البعد المسكوني. شهدت العلاقات بين الكاثوليك والأرثوذكس تقدمًا ملحوظًا في العقود الأخيرة، إلا أن الاختلافات اللاهوتية لا تزال قائمة. البابا وكان من المقرر أن يلتقي قداسته مع زعماء الكنائس الشرقية المختلفة، بروح الأخوة.
ال الحوار بين الأديان وهو أمر بالغ الأهمية بنفس القدر. لبنان تفتخر بكونها نموذجًا للتعايش بين المسيحيين والمسلمين. إلا أن هذا الواقع هشّ. فالتوترات الطائفية قد تتصاعد بسرعة، كما أثبت التاريخ الحديث. البابا وهذا بمثابة تذكير بأن الاحترام المتبادل والحوار هما الطريقان الوحيدان القابلان للتطبيق.
ليو الرابع عشر كما خطط لعقد اجتماعات مع قادة المسلمين السنة والشيعة. وتهدف هذه الاجتماعات المُنظَّمة بعناية إلى إثبات أن الأديان قادرة على أن تكون قوى سلام لا قوى انقسام. البابا ويصر بانتظام على أن العنف باسم الله هو خيانة لله.
التحديات التي تواجه مستقبل لبنان
إعادة بناء الثقة السياسية
الرسالة من البابا إن خدمة الشعب تعالج بشكل مباشر المشكلة الأساسية المتمثلة في لبنان فقدان الثقة بالطبقة السياسية. هذه الثقة لا تُفرض بمرسوم، بل تُعاد بصبرٍ من خلال العمل.
لتحقيق ذلك، ينبغي على القادة اللبنانيين أن يبدأوا بمحاسبتهم. التحقيق في انفجار مرفأ بيروت بيروت تعثر التحقيق في مذبحة أغسطس/آب 2020، التي خلّفت أكثر من 200 قتيل ودمّرت أحياءً بأكملها. لم يُكشف عن هوية المسؤولين أو يُعاقَبوا. هذا الإفلات من العقاب يُؤجج الغضب الشعبي.
ال البابا لا يستطيع القيام بهذا العمل من أجل الشعب اللبناني، لكن بإمكانه خلق ضغط أخلاقي. بمخاطبته القادة مباشرةً، يُسلّط الضوء الدولي على مسؤولياتهم. من الصعب تجاهل هذا النداء الصادر عن الزعيم الروحي لأكثر من مليار كاثوليكي.
الحفاظ على النموذج اللبناني
ما وراء لبنان في حد ذاته، ثمة نموذج مجتمعي كامل على المحك. تُمثل البلاد استثناءً في العالم العربي: ديمقراطية برلمانية، مع إقرارها بأنها ناقصة، حيث تتعايش الطوائف الدينية المختلفة وتتقاسم السلطة.
لهذا النظام الطائفي حدوده، وهذا واضح. فهو يُجمّد المجتمعات في هويات جامدة، ويعزز المحسوبية. لكنه منع طائفة واحدة من الهيمنة على الآخرين. إنه توازن هشّ، مُهدّد باستمرار، ولكنه يستحق الحفاظ عليه وتحسينه.
ال البابا هذا يُذكرنا بأن هذا النموذج، رغم عيوبه، يبقى قيّمًا. ففي منطقة تمزقها الصراعات الطائفية، لبنان يُظهر هذا إمكانية اتباع مسار آخر. ولكن لكي ينجو هذا النموذج، لا بد من إصلاحه جذريًا، ونفض الغبار عنه، وتكييفه مع واقع القرن الحادي والعشرين.
وقف النزيف الديموغرافي
ربما تُعدّ الهجرة الجماعية للشباب اللبناني التحدي الأخطر على المدى الطويل. ففي كل يوم، تغادر عشرات العائلات البلاد، حاملةً معها مهاراتها وطاقاتها وأحلامها. هذه الهجرة تُستنزف البلاد تدريجيًا من قواها الحيوية.
بالنسبة للمجتمعات المسيحية، هذا أمرٌ مقلقٌ للغاية. فهم أكثر تأثرًا بالهجرة نظرًا لوجود شبكاتٍ من الجاليات المسيحية في أوروبا وأمريكا وأستراليا تُسهّل عليهم الاستقرار في الخارج. وبهذا المعدل، يعتقد البعض أن... المسيحيون يمكن أن تصبح أقلية في لبنان في غضون بضعة عقود.
ال البابا لا يُمكنه توفير فرص عمل أو استقرار العملة اللبنانية. لكنه يُمكنه تشجيع الشباب على البقاء، أو على الأقل عدم قطع علاقاتهم ببلدهم. كما يُمكنه حشد الجالية اللبنانية في الخارج للاستثمار في بلدهم الأصلي والمساهمة في إعادة إعماره.
دور المجتمع الدولي
ليو الرابع عشر ويستغل زيارته للتحدث بشكل غير مباشر إلى المجتمع الدولي. لبنان لا يستطيع لبنان إدارة شؤونه بمفرده. إنه بحاجة إلى مساعدة مالية وفنية ودبلوماسية. لكن هذه المساعدة يجب أن تكون مشروطة بإصلاحات حقيقية.
إنه توازن دقيق. من جهة، لا يمكننا السماح للشعب اللبناني بالغرق في الفقر. ومن جهة أخرى، فإن الاستمرار في تمويل نظام فاسد دون المطالبة بالتغيير سيؤدي إلى نتائج عكسية. لذا، يجب على المجتمع الدولي أن يكون حازمًا بشأن الشروط مع الحفاظ على تضامنه مع الشعب.
ال الفاتيكان يمكن للكرسي الرسولي أن يلعب دورًا ميسّرًا في هذه العملية. بفضل دبلوماسيته العالمية وعضويته الدائمة كمراقب في الأمم المتحدة، يستطيع الكرسي الرسولي تشجيع الدول الغنية على مواصلة دعمها لبنان وحث السلطات اللبنانية على إجراء الإصلاحات اللازمة.
الأمل رغم كل شيء
رغم الصورة القاتمة، ثمة ما يبعث على الأمل. فالمجتمع المدني اللبناني لا يزال نابضًا بالحياة. فالجمعيات والمنظمات غير الحكومية والتجمعات المدنية تحشد جهودها يوميًا لتعويض تقصير الدولة. فهي تنظم توزيعات غذائية، وتقدم خدمات طبية، وتجمع النفايات، وتدرّس تطوعًا.
هذا التضامن على الأرض، البابا يُحييها ويُشجعها. هي من تُحافظ على صمود الوطن رغم كل شيء. هي من تُثبت أن اللبنانيين، رغم اختلافاتهم الطائفية، قادرون على التوحد في وجه الشدائد.
الرسالة من ليو الرابع عشر يهدف هذا المشروع إلى تعزيز هذا الزخم. فمن خلال دعوة القادة لخدمة الشعب، يُجسّد هذا المشروع تطلعات المجتمع العميقة. فاللبنانيون يريدون قادة يهتمون بهم ويعملون من أجلهم. الصالح العام, الذين يفكرون في المستقبل بدلاً من إثرائهم الشخصي.
نحو عصر جديد؟
هل تُمثّل هذه الزيارة البابوية، التي استغرقت 48 ساعة، نقطة تحوّل؟ من الصعب الجزم بذلك. لبنان لقد شهدنا الكثير من الآمال الكاذبة، والكثير من الوعود الكاذبة. أصبح اللبنانيون متشككين، وهذا أمر مفهوم.
لكن التاريخ يُظهر أن التغييرات العظيمة غالبًا ما تبدأ بخطابات شجاعة. خطاب ليو الرابع عشر سيُخلّد ذكراه. لقد قال بصوتٍ عالٍ ما يُفكّر فيه الكثيرون في صمت. لقد حاسب القادة، أمام شعوبهم وأمام العالم.
السؤال الآن هو: هل ستُسمع هذه الرسالة؟ هل ستمتلك السلطات السياسية اللبنانية الشجاعة لمحاسبة نفسها؟ هل ستُقرّ بتغليب المصلحة الوطنية على مصالحها الحزبية أو الطائفية؟
ال البابا لقد غرس بذرة. وعلى المجتمع اللبناني أن يرويها، وأن يُنمّيها، وأن يُحوّل هذه الكلمات إلى أفعال ملموسة. سيكون الطريق طويلًا، مليئًا بالعقبات، لكنه موجود. وهذا أمرٌ عظيمٌ بالفعل في بلدٍ بدا وكأنه فقد كل أمل.
الزيارة الى ليو الرابع عشر في لبنان هذا ليس مجرد حدث ديني أو دبلوماسي، بل هو لحظة فارقة لبلدٍ على مفترق طرق. نداءٌ مُلِحّ للاختيار بين استمرار الوضع الراهن المُهلك وشجاعة التغيير، بين أنانية القادة وخدمة الصالح العام، بين يأس المنفى وأمل إعادة الإعمار.
في غضون ساعات قليلة، البابا سوف يغادر بيروت. لكن كلماته ستبقى محفورة في وجداننا الجماعي. الآن، على كل لبناني أن يقرر إن كان يريد أن يكون صانع تغيير أم متفرجًا على انهيار بلده البطيء. سيخلّد التاريخ هذه اللحظة، وما سيختاره كل فرد منها.


